زمزمية الأمل ”مقتطفات مختارة من باب مبادئ انسانية"

زمزمية الأمل
”مقتطفات مختارة من باب مبادئ انسانية"

يا خالق الكون بالحساب و الجبر
و خالقني ماشي بلاختيار و الجبر
كل اللي حيلتي زمزمية أمل
و ازاي تكفيني لباب القبر

صلاح جاهين

اجعلني يا الهي قوية في ايماني ... و حبي
أتسلق شعاع الشمس ... شعاعاً ... شعاعاً
لا أقع ... لا أهوي...

تيري بباوي – من ديوانها "امرأة من برج الأمل"

آه ... ما أقسى الجدار
عندما ينهض في وجه الشروق
ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة
ليمر النور للأجيال مرة ...
ربما لو لم يكن هذا الجدار
ما عرفنا قيمة الضوء الطليق !

أمل دنقل – من ديوانه "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"

و لما تموت خطوتي ...
تتولد ألف خطوة جديدة !
أنا ابن الخطاوي ...
و ابن البلاوي ...
و ابن اللي عايز عيدان غيطه تطرح غناوي ...
و ابن الأمل العرق ...
أنا كل ليل بأتخلق !

عبد الرحمن الأبنودي – من ديوانه "الأرض و العيال"

و يبقى الحلم أغنية على شفتي
ترددها طيور – بعد لم تولد !
بفصل في ضمير الغيب – لم يوجد !
بها يأتي سفير دائم الترحال – لم يوفد !
و يبقى الحلم أغنية على شفتي.

عبد المنعم عواد يوسف – من ديوانه "بيني و بين البحر"

اليك أبكر يا سيدي ...
لأن اعتمادي عليك !
الى وجهك النفس عطشانة ...
و تشتاق روحي اليك !

الأديب البناني "ناصف اليازجي"


مهما يطول الليل …
و اليأس …
و الأحزان !
مهما يزيد الويل …
و البؤس …
و الحرمان !
الصبح لازم في الميعاد يظهر
و الشمس لازم في النهاية تبان
تنشر جناحات الدهب فوق البشر
تملا شقوق الأرض بالنور و الأمان !
و الضلمة مش هتدوم
و الوحشة مش هتدوم
شايفين شعاع الشمس بيشق الغيوم !

ن . ع


قليل من الأمل

تاه المسافر في الصحراء . و هذا هو يومه الثالث الذي لا يري فيه سوى الرمال الصفراء الممتدة نحو الأفق البعيد!
لا أشجار و لا ظلال ... لا بيوت و لا أنهار ... لا شيء يطل عليه سوى عين الشمس الحارقة ... و لا صوت يصافح أذنيه سوى عويل الريح!
الأموال التي في جيبه لا قيمة لها الآن.. كل أحلام العمر التي عاش يرقبها تحتضر الآن بين يديه. حتى قصة حبه القديم التي ملأت أنفاسه الحارة على مدى السنين – تنسكب الآن من صدره المشروخ!
صار كل شيء رخيصا ... شيء واحد فقط ظل ثمينا. انه زمزمية الماء! زمزمية الماء هي أغلى ما في الوجود!
كل نقطة ماء في هذه الزمزمية هي بعض من عمره ... بل هي كل عمره!
أطبق عليه ظلام الليل ... احتضن الزمزمية و نام ... نامت الزمزمية في أحضانه. أو نام هو في حضنها، كما ينام الرضيع على صدر أمه! و ما كاد يغمض عينيه حتى قام مفزوعاً ... "كابوس" ... حلم مخيف تعرفه كل الأمهات حين يأخذهن التعب، فينعسن و الأطفال على صدورهن! حلم أن الزمزمية مالت و انسكبت!
قام من نومه مفزوعاً ... تحسس الاناء و الغطاء ... فالزمزمية هي الحياة ... لو نفذ ماؤها ... نفذ عمره!
ماذا لو قلت لك أن هذا الرجل قرر فجأة أن يسكب قارورة الماء على الرمال؟!
ستقول : أصابه مس من الجنون!
نعم ... من يسكب زمزمية الأمل الغالية على رمال دنياه الجافة ... مجنون!

لقد تصحرت حياتنا ... جفت عواطفنا ... احترقت أحلامنا في لهيب الجفاوة ... فقدنا انتعاشات النسيم ... و وقع قطرات الندى ... فقدنا الحلاوة ... و الطراوة ... و المودة ... و التراحم ... فقدنا الحب الصادق و اللمسة الحانية! اقتلعنا الزهور ... و مضغنا الشوك!
لم يبق سوى الأمل في صباح جديد! الأمل هو زمزمية الماء في رحلة حياتنا الصحراوية الجافة!
تعلق بالأمل ... لا تدع الأمل يتسرب من بين أصابعك مهما اشتدت قساوة الحياة!
هذا الماء القليل في زمزمية الأمل سيكفيك حتى تصل الى شاطيء النهر!
و تذكر أن سواقي الله ملآنة ماء! تذكر أن الله يستطيع أن يفجر لك نبعاً عذباً وسط جحيم الصحراء الجافة ... و هو لا بد أن يفعل!
سيسكب الله ماءاً على كل العطاش ... سيرسل الله سيولا على الأرض الناشفة ... تمسك بالأمل ... و ستعود حياتك خضراء ... و أحلامك نادية!

نافذة الأمل

عندما كان الامبراطور نابليون بونابرت يحكم فرنسا بقبضة من حديد، غضب على رجل من أتباعه، فأرسله الى أحد الحصون البعيدة، حيث ألقي في زنزانة ضيقة ليس بها سوى نافذة صغيرة جداً في أعلى الحائط!
و أحس الرجل بالوحشة الشديدة، و ظل ينتظر وساطة من صديق أو زيارة من حبيب. لكنه أدرك بعد طول الانتظار أنه أصبح منسياً تماماً. و ليس هناك من يذكره خارج الأسوار!
و في مرارة اليأس و الوحدة القاتلة ، أمسك بقطعة صغيرة من الحجر ، و كتب على الحائط : "لا أحد يهتم بي"!
و مرت الأيام الثقيلة، بلا أمل و لا رفيق فلم يكن أمامه الا التأمل في جدران الزنزانة، و في بابها الحديدي و أرضها الحجرية المشققة، حتى حفظ مواقع الشقوق عن ظهر قلب.
و في صباح أحد الأيام، استيقظ الرجل و جال بعينيه في أرجاء الغرفة، فلاحظ وجود نقطة صغيرة بين شقوق الأرض ، لم يرها من قبل ، فانبطح على بطنه ، و دقق النظر فيها ، فأدرك أنها برعم دقيق لنبات صغير يتسلل من بين الشقوق ليطل عليه!
و مرت الأيام و النبات يعلو و يتجه نحو النافذة الصغيرة في اتجاه النور! و أخذ السجين يعتني بالنبت الصغير، فهو يوفر جزءاً من الماء الذي يحضره السجان كل صباح – فيسقي به رفيقه الجديد.
و في يوم ربيعي مشرق ظهرت فوق الغصن زهرة جميلة زرقاء، ما لبث أن تفتحت بكامل بهائها و جمالها، و كأنها تبتسم له وحده دون جميع الخلق. لقد جاءه الربيع في زنزانته الضيقة!
و نهض الرجل و امتلأت روحه اليائسة بنشوة جديدة ، فأمسك بقطعة الحجر الصغيرة ، فمحى الكلمات الأولى التي كتبها من قبل، و كتب فوقها : "ان الله يهتم بي"

في قصيدة طريفة للشاعرة "Elizabeth Shunny" تقول ان حوارا دار بين عصفورين صغيرين، فقل أحدهما للآخر انني أريد حقا أن أعرف لماذا تتدافع هذه الكائنات البشرية و يعيش الناس في توتر دائم و قلق شديد؟!
و فكر العصفور الآخر قليلاً ثم قال: "لا بد أن يكون السبب يا صديقي أن البشر – على ما أظن – ليس لهم اله محب في السماء يعتني بهم مثلما لي أنا و أنت"!
و المعنى الذي تقصده الشاعرة هنا هو أن الله الذي يطعم طيور السماء لا بد أن يعتني أيضاص بالبشر، لكن البشر لا يقدرون اهتمام الله بهم!

هناك قصة طريفة عن فلاح أمريكي عاد الى بيته في يوم من أيام الحصاد ، و هو يحمل في يده سنبلة قمح جميلة ، فأراها لزوجته و هو يقول في كبرياء : "أظن أن فلاحاً مثلي ينتج هذه السنابل، يستحق تكريماً خاصاً. أليس كذلك؟!" و ضحكت سنبلة القمح و هي تقول : "أيظن هذا الرجل أنه صنعني؟!" لقد شارك بشيء بسيط، أما الذي اعتنى بي فهو الله!
لقد منح الأرض الخصبة لهذا الفلاح. و أعطاه الصحة ليعمل في الحقل، ثم أعطاه حبة قمح مليئة بالحياة ، و عندما ألقاها الفلاح في الأرض و مضى الى بيته ظل الله يعمل على انمائها في قلب التربة و أرشد جذورها أن تتغلغل في الأعماق حيث غذاؤها ، و علم ساقها أن يمتد الى أعلى ليتنفس الهواء، و منحها شروق الشمس و الندى و المطر ، و أرسل الريح لتحمل اللقاح فانتلأت كل حبة بالنسل، ثم لونني الله بلون الذهب مظهرا حبه و اهتمامه بي! و بعد كل هذا يحسب هذا الفلاح أنه صنعني؟!"
قال أحد علماء النبات ان الانسان يشارك بجهد لا يزيد على 5% في عمل الزراعة – في تحويل البذرة الى ثمرة ، و يقوم الخالق بكل شيء.

كان روبرت أنجرسول خطيباً بارعاً ، لكنه كان ملحداً ، يتجرأ على الله سبحانه و تعالى ، و يهاجم الدين ! و استخدم أنجرسول براعته و سحر بيانه ، و بلاغة أسلوبه و رصانة لغته ، و سخر هذا كله في انكار الدين و الحياة الأخرى.
و كان للملحد أخ شقيق ، نشأ و تربى معه ، و أحب كل منهما الآخر حباً شديداً ، و حين مرض الشقيق ، طلب من أخيه أن يؤبنه عند دفنه بكلمة وداع مناسبة ، فلما قضي الأمر ، وقف أنجرسول مضطرباً بجوار جسد أخيه ، ثم أطرق بوجهه نحو وجه شقيقه وهو جثة هامدة ، و بعد برهة من الصمت استطاع أن يضبط نفسه ، فاستند على كفن أخيه و قال و الدموع في عينيه : "ما الحياة الا واد ضيق مقفر ، قامت على جانبيه جبال الأبدية الشاهقة ، و تراكمت في هذا الوادي ستائر الظلمة ، و عبثاً نحاول أن ننفذ بأبصارنا لنكشف ما وراء هذه الظلمة من نور. و حين نصيح صيحات الفزع طالبين النجدة، فاننا لا نسمع جواباً الا صدى أصواتنا !" قال أنجرسول هذه الكلمات المرة و المليئة باليأس ، و أحنى رأسه بين كفيه و أطلق صوته بالبكاء و العويل!